ســــيــــرة الإمــــام عــــلــــي { ع }
صفحة 1 من اصل 1
ســــيــــرة الإمــــام عــــلــــي { ع }
ولادة الإمام علي ( عليه السلام )
وُلد الإمام علي ( عليه السلام ) في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب المبارك ، قَبل البعثة النبوية باثْنَتَي عشرة سنة ، في بيت الله الحرام ( الكعبة ) بمكّة المكرّمة .
عن يزيد بن قعنب قال : كنتُ جالساً مع العباس بن عبد المطّلب ( رضوان الله عليه ) ، وفريق من بني عبد العزى بازاء بيت الله الحرام ، إذْ أقبلَتْ فاطمة بنت أسد أُمّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وكانت حاملاً به لتسعة أشهر ، وقد أخذها الطلق فقالت : يا رَبِّ ، إنِّي مؤمنة بك ، وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإنِّي مصدِّقة بكلام جدِّي إبراهيم الخليل ، وأنَّه بنى البيت العتيق ، فبحقِّ الذي بَنَى هذا البيت ، والمولود الذي في بَطْني ، إلاّ ما يسَّرتَ عليَّ ولادتي .
قال يزيد بن قعنب : فرأيت البيت قد انشقَّ عن ظهره ، ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا ، وعاد إلى حاله ، فرمنا أن ينفتح لنا الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أنَّ ذلك من أمر الله تعالى .
ثمَّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
وهذه الحادثة ذكرها علماء المسلمين ومؤرِّخِيهم في كتبهم ، ومِمَّا ينبغي ذكره هنا أنَّ الفضل والكرامة التي نالها الإمام علي ( عليه السلام ) بولادته في جوف الكعبة لم يَنَلْه أحد في تاريخ الإنسانية على الإطلاق .
وهكذا كان الإمام علي ( عليه السلام ) أوّل مولود ولد في الكعبة المشرِّفة ، ولم يولد فيها بعده سواه ، تعظيماً لَه من اللهِ سبحانه وإجلالاً .
مـــــــع الـــــــتـــــــحــــــــيـــــــات
عدل سابقا من قبل في الأربعاء فبراير 28, 2007 5:12 am عدل 1 مرات
رد: ســــيــــرة الإمــــام عــــلــــي { ع }
علي ( عليه السلام ) مع الحق والحق مع علي ( عليه السلام )
لنتعرَّف على الحق :
يقف الإسلام من أيِّ مفهوم أحد مواقف ثلاثة :
1 - إمَّا أن يرفضه تماماً كـ( الدعارة ) .
2 - وإمَّا أن يجري عليه تعديلاً ، حتى يغدو متناسباً مع المفاهيم الإسلامية كـ( الحُريَّة ) .
3 - وإمَّا أن يقرُّه كما هو كـ( المروءة ) ، لأنَّه من صُلبِ مَفاهيمه .
فالدعارة وهي الفحش في القول وفي العمل مرفوضة إسلاميّاً ، لأنَّها تتعارض مع المنهج الأخلاقي الإسلامي ، الذي يقوم على عِفَّة اللسان ، كما يؤكِّد على عِفَّة الفرج لدى الجنسين .
والحريَّة في الإسلام ليست كالحريَّة في الغرب ، فهي هناك – في الغرب – منفلتة ، وإن وُضِعت لها بعض الحدود والضوابط البسيطة .
لكنَّها في الإسلام حريَّة ملتزمة ومسؤولة ، ومُدافَعٌ عنها من قبل الإسلام نفسه في تحرير الإنسان من جميع القيود التي تُكبِّله .
فالإسلام يمنع الإنسان من تناول المخدرات ، لأنَّ في ذلك إساءة لشخصيته وصحَّته ، ولعلاقته بالآخرين .
وهذا المنع ليس قيداً ضدَّ الحريَّة ، وإنَّما هو إجراء احترازي لحماية الحريَّة ، فالإدمان سواء على المخدرات أو على غيرها قَيدٌ يأسِّرُ الإنسان ، ويحدُّ من فعالياته الإيجابية .
وأيّ ضعف يُبديه الإنسان أمام رغبة جامحة ، أو حاجة مذلِّة ، أو قوَّة ضاغطة ، يجعله مقيَّداً ، ويقلِّص من مساحة عِزَّته وكرامته ، واستقلاله وحريَّته .
وقد أراد الله له أن يكون عبداً له فقط ، ولا عبودية أخرى أيّاً كان شكلها .
وبمعنى آخر ، فإنَّ الحريَّة في الإسلام هي الفُسْحة الفَسيحة التي تتحرَّك فيها دون أن تجرَّ حركتك أيّ أذىً نفسي أو جسدي ، شخصي أو اجتماعي .
وبالتالي فما يسمَّى بـ( الخطوط الحمر ) أو الممنوعات أو المحرَّمات في الإسلام ليست كوابح للحريَّة ، وإنَّما كوابح للعدوان على الذات وعلى الغَير .
وأمَّا إقرار المروءة ، وهي تعبير مَرِن وواسع عن إنسانية الإنسان ، فلأنَّ الإسلام هو دِين المروءة .
وحينما جاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى الجزيرة العربية بالدين الجديد ، كانت هناك أمثلة رائعة للمروءة ، فأقرَّها ، وحافظ عليها ، ونمَّاها .
ومنها مثلاً : إكرام الضيف ، ورعاية حقوق الجار ، وإغاثة الملهوف ، ونصرة المظلوم .
لكنَّ المفاهيم لا تبقى على حالها دائماً ، فهي تتعرَّض إلى التشويه والتشويش بين حين وآخر ، فتبدو تارة غائمة ، وتارة قلقة ، وتارة تلبس لباساً مغايراً للأصل ، وهو ما نسمِّيه بـ( المفاهيم المغلوطة ) ، أو ( المفاهيم الخاطئة ) .
ولذلك أسبابه : فقد يكون الجو الاجتماعي أو السياسي الحاكم ضاغطاً في تحريف المفاهيم ، وقلبها عن مواضعها الصحيحة ، فتلتبس على الناس .
حتى أنَّ شخصاً جاء إلى الإمام علي ( عليه السلام ) في إحدى المعارك التي وقعت بين فِئتين من المسلمين ، وقد اختلطت عليه الأمور ، وصعب الفرز والتمييز بين مَنْ هُم أهلُ الحقِّ ؟ ومَنْ هُم أهلُ الباطلِ ؟
فقال له ( عليه السلام ) : ( يَا هَذا ، إنَّك لَملبوسٌ عَليك - أي أنَّ الأمور مُلتبِسة عندك - ، اِعرفِ الحقَّ تعرف أهلَه ، واعرفِ الباطلَ تعرف أهلَه ) .
وقال ( عليه السلام ) في موضع آخر : ( يُعرَف الرجالُ بالحقِّ ولا يُعرَف الحقُّ بالرجال ) .
وهذا يعني أنَّ مفهوم الحق إذا كان واضحاً في ذِهني عرفت مَنْ هُم أهلُ الحق وإن قَلّوا ، وعرفت أهل الباطل وإن كَثروا .
فإذا تحدَّد مفهوم الحق في أنَّ الله هو الحق ، وأنَّ كل ما أنزله علينا هو الحق ، وكل مَنْ أرسله إلينا هو الحق ، فيكون كل ما هو خارج ذلك ليس بحق .
وقد تكون النُصوص قَلقة في أذهان الناس ، فيفسِّرونها بحسب أهوائهم ، ووِفق أمزجتهم ، فيأتي التطبيق منحرفاً ، لأنَّ الفهم كان مشوَّشاً ولم يَقُم على دليل قاطع ، وإن استند إلى النص .
فذاك الذي كان يسرق ليطعم الجياع والفقراء ، يُجيب السائل المعترض على فعلته : أنا أتماشَى مع منطِق القرآن ، فالقرآن يقول : ( مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا ) الأنعام 160 .
فأنا حينما أسرق أرتكبُ سيِّئة ، وحين أتصدَّق على الفقراء والمساكين أحصل على عشر حسنات ، فإذا طرحت الواحد من العشرة بقي تسعة ، وبالنتيجة أنا الرابح .
فهذا تشويه صريح لمفهوم الحسنة القرآني ، فالله إنَّما يتقبَّل من المتَّقين المحسنين الصالحين ، الذين لا يخلطون عملاً صالحاً وآخر سيِّئاً .
والإسلام يرفض الشعار الميكافيلي : ( الغاية تبرِّر الوسيلة ) ، إلا في حالات استثنائية نادرة ومحدودة ، تقتضيها الضرورة أو المصلحة الإسلامية .
فعندما ينقلب العنوان أو يتغيَّر ، فإنّ الحكم يتغير أيضاً ، فالكذب حرام لكنه في حالات الإصلاح بين الأخوين أو الزوجين مُباح ، ولأنَّ المصلحة في الكذب هنا أكبر من المفسدة .
وهناك مَنْ يشوِّه المفهوم ليعيش من خلال ذلك ، لأنَّه لو بقي المفهوم سالماً مُعافىً من التشويه لما استطاع أن يرتزق منه ، كمن يعتبر الشطارة ، والذكاء ، والدهاء ، هو أن يتلاعب بعقول ومشاعر الناس ، ويستدرجهم إلى حيث ما تهوى مآربه ، ويبتزّهم بالخداع ، والمكر ، والتمويه .
ورُبَّما يشوِّه المفهوم من خلال تجريده عن التطبيق ، أي أن تكون صورته في الذهن غير صورته التي في الواقع .
فالعدل مفهوم إسلامي أصيل ، ولكنَّ البعض من الناس يرى أنَّه المساواة ، والحال أنَّ كل مساواة عدل ، وليس كل عدل مساواة .
فالعدل أن لا يتساوى عندك المحسن والمسيء ، فإذا وجد المُحسن عندك المكافأة ، والمسيء العقوبة ، فأنت عادل ، أمَّا إذا ساويت بينهما في المكافأة ، أو في العقوبة فقد ظلمت أحدهما في الحالين .
من هم أهل الحق ؟
بعد أن تعرَّفنا على الحق فلنفتِّش عن أهله ، ولنأخذ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وندقق في امتيازاته ، ونقول : يحتاج ولي الله إلى امتلاك وسائل وقابليَّات وإمكانات مختلفة ، تُعِينه على الوفاء بوظيفته ، وأداء مُهمَّته ودوره ، لا بلحاظ عصره فقط ، بل بلحاظ جميع العصور والأزمنة ، وكأن هذه الأشياء يحتاجها في مقام إثبات الحجة على العباد .
ولا بأس هنا أن نشير إلى بعض المميزات التي أعطيت للإمام علي ( عليه السلام ) :
المِيزة الأولى : علمه ( عليه السلام ) بالأمور الغيبية :
لسنا هنا بصدد الحديث عن علم الإمام علي ( عليه السلام ) ، إذ أن ذاك بحث مستقل ينبغي التعرض له ، وبيان ما هو جهة الارتباط بينه وبين الحق ، وما هي النكتة في كثرة تأكيده على علمه ( عليه السلام ) ، وكثرة ما ورد عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك ، ومفاخرة أبنائه بذلك .
وإنما نود هنا بيان مدى الارتباط بين الجانب الغيبي في علم الإمام علي ( عليه السلام ) وبين الاصطفاء الإلهي لتحقيق أهدافه .
إذ من الواضح أن علياً ( عليه السلام ) بحاجة لعلم الغيب ، حتى يقوم بمسؤولياته الكبرى ، فمن الضروري أن يمدُّه الله تعالى به ، لِيَفي بجميع متطلَّباته ، وتحقيق شرائط الحق فيها .
والعلم بالغيب أحد تلك المتطلبات المفروضة ، بل هو أهمُّها ، لأنَّ دين الإسلام صِلة رابطة بين الغيب والشهادة .
فلابد أن يرفد المنتخب للقيام بدور خاص في هذا الدين برصيد يمكنه من أداء دوره ومهمته .
ويمكن تصنيف النصوص الواردة في علم الإمام علي بالغيب إلى مجموعات :
المجموعة الأولى :
ما هو عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن تعداده صفات علي ( عليه السلام ) ، إذ عَدَّ منها علمه بالمغيبات ، وجعل ما عنده من علم كما عند الأنبياء ( عليه السلام ) ، وأن مصدرها عند الجميع هو الله تعالى .
كما في قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( عَليّ عَيبةُ عِلمي ) .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( عَليّ وَارِثُ عِلمي ) .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : ( عَليّ بَابُ عِلمي ) .
المجموعة الثانية :
ما صدر عن الإمام علي ( عليه السلام ) نفسه ، بإبرازه هذه الصفة ، ليلفتَ بصائر البشرية إلى ماله من موقع خاص في دين الله عزَّ وجلَّ وإعداده من بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) لقيادة الأمّة .
ومن ذلك قوله ( عليه السلام ) : ( أنَا الذي عِندي عِلمَ الِكتاب ، وَمَا كَان ومَا يَكُون ) .
وقوله ( عليه السلام ) : ( أنَا الذي عِندي مَفاتيحَ الغَيبِ ، لا يَعلمُها بعدَ مُحمَّدٍ غيري ) .
وقوله ( عليه السلام ) : ( سَلونِي عَن أسرارِ الغيوب ، فإنِّي وارثُ عُلوم الأنبياء والمرسَلين ) .
المجموعة الثالثة :
الإخبارات التي صدرت منه ( عليه السلام ) عن حوادث لم تقع حتى في زمانه ، ثم صدَّقه الواقع فيما أخبر به .
كإخباره ( عليه السلام ) بقتل ابن ملجم ( لعنه الله ) له .
وإخباره ( عليه السلام ) بشهادة ولده الحسين ( عليه السلام ) .
وإخباره ( عليه السلام ) بِمُلك معاوية بعده .
وإخباره ( عليه السلام ) بقتاله الفِرَق الثلاث .
وإخباره ( عليه السلام ) بمجيء ألف فارس لبيعته وهو بذي قَار .
المجموعة الرابعة :
ما ورد عَمَّن عاصره ، حيث يشهدون فيها بإخباره عن المغيَّبات ثم وقعت ، وهذه النصوص طائفة كثيرة ، كما في إخباره رشيد الهجري بشهادته ، وغير ذلك من القضايا .
والحاصل إن هذه الأمور الصادرة عنه ( عليه السلام ) ، وعلمه بالمغيَّبات ، لم يكن لولا وجود رعاية ربَّانية به ( عليه السلام ) .
المِيزة الثانية : كماله ( عليه السلام ) :
سواء في قواه الجسمية ، أو النفسية ، أو العقلية ، أو القدرة الذاتية على التحمّل ومعالجة الأمور لتحقيق المسؤولية الإلهية .
بحيث يمكنه ( عليه السلام ) أن يحقِّق جميع ما يريده في مسئوليته الإلهية ، حتى لو تجاوَزَت هذه القوى الحدود المتعارفة عند الإنسان العادي .
ولتوضيح ذلك نشير لبعض الشواهد على ما ذكرنا :
الشاهد الأول : القوة الجسمية :
يكفينا في هذا المضمار قراءة الغزوات التي خاضها النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان علي ( عليه السلام ) إلى جانبه ، لنتعرَّف على مدى القوى الجسمية الموجودة عنده ( عليه السلام ) .
وذلك من خلال تلك الشجاعة العجيبة ، كما أنَّ قَلْعَ بابُ خَيبرٍ شاهدٌ حي في التأريخ ، يُجسِّد هذه المقالة .
وقد ورد عنه ( عليه السلام ) أنه قال : ( واللهِ ما قَلَعتُ بابَ خَيبرٍ بقوةٍ جسمانية ، وإنَّما بقوَّة رَبَّانية ) .
الشاهد الثاني : القوة النفسية :
ويكفينا هنا شاهداً على المدَّعى صبرُه ( عليه السلام ) على الأذى ، وما كان يَلقاه ، وخصوصاً ذلك الصبر على ظُلامة السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .
يقول العلامة الجشي :
يَا ابنَ عَمِّ النَّبي صَبرُك أنسَى صَبرَ أيّوب في قَديمِ العُصُورِ
ضَاقَ ذِرعاً بأمرِ رَحمة لما جَزَّت الشَّعرَ شَاكياً للخَبِيرِ
وأراكَ اصطبرتَ والقومُ آذوا فَاطماً في عَشيِّها والبُكُورِ
الشاهد الثالث : القوة العقلية :
وهنا تُطالِعُنا مجموعة من الشواهد الكثيرة ، التي تنمُ عن قوَّة عقلية خارقة ، إذ ينقل عنه كثيراً أنه كان يجيب عن المسائل الرياضية المعقَّدة بسرعة ، وهو على ظهر فرسه .
ولقد أجاد صاحب كتاب ( التكامل في الإسلام ) ، عندما استعرض الناحية الرياضية عند أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وذكر شواهد في بيانه لذلك .
وهنا لا بأس أن نشير بنحو من الإيجاز في هذه الناحية ، لنقطة مُهمَّة في هذه الجهة ، ألا وهي قدرته العقلية في القضاء ، فنقول :
تنقسم قضاياه ( عليه السلام ) إلى قسمين :
1 - القضايا القضائية .
2 - القضايا غير القضائية .
وينقسم كل منهما إلى قسمين :
1 - ما هو مطابق للقاعدة الشرعية .
2 - ما يكون من الأمور النادرة في بابه ، وليس معنى ذلك إلغاء القاعدة الشرعية فيه ، أو عصيانها ، وإنما يُراد منه التوصل بعمل مُعيَّن إلى استنتاج النتيجة بدون حاجة للقاعدة الشرعية ، أو يكون المورد خارجاً عن حدود الشريعة ، وهذا ما يصطلح عليه اليوم في العلم الحديث بعلم الكشف عن الجريمة .
حيث يجعل من النقاط الأساسية مثلاً دراسة الحالة النفسية للمتَّهم ، فيفاجئ بشيء معين يجعله يعترف بالجرم ، وهذا ما استخدمه أبو الحسن ( عليه السلام ) في هذا القسم من القضايا .
وتوجد عليه مجموعة من الشواهد ، كقضية المرأتين حينما اختَصَمَا في طفل ، وقضيَّة العَبدِ وسيِّده ، حينما ادَّعى كل منهما مُلكيَّة الآخر .
وتوجد قضايا أخرى نادرة تشمل أحكاماً قضائية ، أعَمَلَ ( عليه السلام ) فيها ملاحظة الشواهد الخارجية ، كقضية المرأة التي ادَّعت أن أنصاريّاً فجرَ بها ، وقد دفقت بياض بيضة على ثوبها ، ومثلها قضية الغلام الذي ادَّعى على امرأة أنها أمّه وهي تنكره ، فزوَّجه إياها ، فاعترفت بذلك .
والقضايا الواردة في هذا المقام كثيرة ، أكثر من أن تُحصَى ، فمن أراد الاستزادة فعليه بمراجعات قضاء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) للشيخ التستري .
وأما القسم الأول ، وهو القضايا القضائية المطابقة للقاعدة ، أو غير القضائية المطابقة ، لا نرى حاجة للحديث عنها ، لوضوحها ، ولأن محلَّها هو الفقه ، فلتُطلَب من هناك .
نعم نشير هنا إلى أن هذه الأمور التي تطابق القواعد الشرعية الصادرة منه تُعتَبر مصدراً من مصادر التشريع ، لأن السُّنَّة كما هو مقرَّر في مَحلِّه ، تشمل أهل البيت ( عليهم السلام ) ، كما تشمل النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
نعم هذا لا يجري في النوادر التي صدرت منه ، كما سَبَق ذِكر بعض الأمثلة لكونها من مختصَّاته ( عليه السلام ) .
الميزة الثالثة : قدرته ( عليه السلام ) الخارقة :
فإنه ( عليه السلام ) قادر على التصرف الذي يريده في الأشياء ، حتى لو استلزم ذلك خرق النواميس الطبيعية ، وهذا هو المعبَّر عنه بالولاية التكوينية .
ولسْنا هنا بِصدَد الحديث عنها ، وذكر الأدلة الدالة عليها ، فإنَّ لذلك مَحلَّه الذي يطلب منه .
بل إنَّ غرضنا ينصبُّ في ذكر شيء من الشواهد الموجودة في تلك السيرة المباركة لهذه الشخصية المنتجبة .
فمن تلك الشواهد نذكر ما يلي :
أولها :
رَدّ الشمس له ( عليه السلام ) مرَّتين ، وهذا أمر معروف ، تعرَّضت له كتب الفريقين ، ونحن في غِنىً عن ذكر تفاصيله .
وما يقال من الإشكال والتأمل في مثل هذه الكرامة مدفوع بأدنى تأمّل ، ولتحقيقه مجال آخر .
ثانيها :
قِصة الغراب مع خفِّه ، فقد ذكر العلامة المجلسي عن أبي الرعل المرادي ، أنه : قدم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فتطهَّر للصلاة ، فنزع خفَّه ، فانسابَت فيه أفعى ، فلمَّا دعا ليلبسه انقض غراب فحلَّق به ، ثم ألقاهُ ، فخرجَت الأفعى منه .
ثالثها :
قصة جويرية بن مسهر ، عندما عزم على الخروج فقال ( عليه السلام ) له : ( أمَا أنَّه سيعرض لك في طريقك أسَد ) .
قال : فما الحيلة ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( تُقرِأه السَّلام ، وتخبره أنِّي أعطيتُك منه الأمَان ) .
فبينما هُوَ يسير إذ أقبل نحوه أسد ، فقال : يا أبا حارث إنَّ أمير المؤمنين يُقرئُك السلام ، وأنه قد أمَّنَني منك ، فولَّى وهمهم خمساً .
فلما رجع حَكى ذلك لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فقال ( عليه السلام ) : ( فإنَّه قَال لَكَ فأقرِأْ وصيَّ مُحمَّدٍ مِنِّي السلام ، وعقد بِيَده خمساً ) .
إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة التي يراها المُتَتَبِّع في الكتب المُعَدَّة لذلك .
الميزة الرابعة : ضمان الاستجابة الإلهية لدعائه ( عليه السلام ) في المُهِمَّات :
فقد ثبت بِطُرق كثيرة معتَبَرة استجابة دعائه ( عليه السلام ) في بسر بن أرطأة باختلاط عقله .
وكذا استجابة دعائه ( عليه السلام ) على جاسوس معاوية فعمي .
وكذا في دعائه ( عليه السلام ) على طَلحَة والزبير ، بأن يُقتَلا بأذلِّ حَالة ، وقد استجيب دعاؤه .
وكذا دعاؤه على مُنكِري بيعة الغدير ، فأصيبُوا بالبرص أو العمى ، إلى غير ذلك مِمَّا يجده المتتبع في الكتب الموضوعة لذلك .
هذا هو أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، الذي قال فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( عَليٌّ مَعَ الحَقِّ ، والحَقُّ مَع عَليٍّ ، يَدُورُ مَعهُ حَيثُ دَارَ ) .
فَلا ينفكَّان ، ولا يبتعدان عن بعضهما البعض ، بل هُما متلازمان معاً دائماً وأبداً .
مـــــــع الـــــــتـــــــحــــــــيـــــــات
عدل سابقا من قبل في الأربعاء فبراير 28, 2007 5:15 am عدل 2 مرات
رد: ســــيــــرة الإمــــام عــــلــــي { ع }
محبُّ الامام علي ( عليه السلام ) محبُّ لله ورسوله ( صلى الله عليه وآله )
كان علي ( عليه السلام ) خير المؤمنين بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد كان قلبه عامراً بأكمل الإيمان ، ولا ينقصه حتى مقدار ذرة واحدة من نور الإيمان المتكامل ، فقلبه ( عليه السلام ) ربيع الإيمان . بل ليس في قلبه ذرة واحدة من هوى النفس ، فهو الصراط المستقيم ، وهو سبيل الله ، وهو ميزان الأعمال ، وهو مع الحق والحق معه ، وإنما تتجلى الصفات الثبوتية للحق فيه ( عليه السلام ) فهو : العدل الإلهي ، ورحمة الله ، وقدرته ، ورمز الرأفة ، والعطف ، والصبر الإلهي ، ومظهر من مظاهرها . علي نفس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) و عيبة علمه ، وأخوه ، وخليفته ، ووصيه ، وكل من أحبه ووالاه فقد أحب الله ورسوله والمؤمنين ووالاهم ، وكل من أبغضه وعصاه فقد أبغض الله ورسوله والمؤمنين ، فمحبه محب لله ورسوله ، ومبغضه مبغض لله ورسوله . و نلفت أنظار القراء الكرام إلى بعض ما ورد من الأخبار في هذا المقام :
1ـ روى القندوزي الحنفي والجويني ، عن أبي برزة الأسلمي ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( إن الله تعالى عهد إلي في علي عهداً ، أن عليا راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، من أحبه أحبني ، ومن أبغضه أبغضني ، فبشره ) ، فجاء علي ( عليه السلام ) فبشرته بذلك ، فقال : ( يا رسول الله ، أنا عبد الله ، فإن يعذبني فبذنبي ، وإن يتم الذي بشرني به فالله أولى بي ) ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( قلت : اللهم أجل قلبه ، واجعله ربيع الإيمان ، فقال الله تبارك وتعالى : قد فعلت به ذلك ، ثم قال تعالى : إني مستخصه بالبلاء ، فقلت : يا رب ، إنه أخي ووصي ، فقال تعالى : إنه شيء قد سبق فيه قضائي ، إنه مبتلى ) ينابيع المودة : ص 134 ، فرائد السمطين : 1/151 ، ح 114 .
2ـ روى الجويني ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بيت زينب بنت جحش ، وأتى بيت أم سلمة ، وكان يومها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلم يلبث أن جاء علي ( عليه السلام ) ودق الباب دقا خفيفاً ، فأثبت النبي ( صلى الله عليه وآله ) الدق ، وأنكرته أم سلمة ، فقال لها النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( قومي وأفتحي له الباب ) ، إلى أن قال : ( قالت : ففتحت الباب ، فأخذ بعضادتي الباب ، حتى إذا لم يسمع حسيسا ولا حركة ، وصرت في خدري ، استأذن فدخل ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا أم سلمة ، أتعرفينه ؟ ) قلت : نعم يا رسول الله ، هذا علي بن أبي طالب .
قال : ( صدقت ، هو سيد أحبه ، لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو عيبة علمي ، فاسمعي واشهدي ، وهو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي ، فاسمعي واشهدي ، وهو قاضي عداتي ، فاسمعي واشهدي ، وهو والله محيي سنتي ، فاسمعي واشهدي ، لو أن عبداً عبد الله ألف عام وألف عام وألف عام ، بين الركن والمقام ، ثم لقي الله عزوجل مبغضاً لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبه الله على منخريه يوم القيامة في نار جهنم ) فرائد السمطين : 1/331 ، ح257 .
3ـ روى الجويني أيضاً ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( من أحبني فليحب علي بن أبي طالب ، ومن أبغض علي بن أبي طالب فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، ومن أبغض الله فقد أدخله النار ) المصدر السابق : 1/132 ، ح 94 .
4ـ وعنه أيضا عن أنس ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي : ( يا علي ، من زعم أنه يحبني وهو يبغضك ، فهو كذاب ) المصدر السابق : 1/134 ، ح94 .
5ـ روى ابن المغازلي الشافعي ، عن سلمان ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي : ( يا علي ، محبك محبي ، ومبغضك مبغضي ) المناقب لابن المغازلي : 196 ، ح 233 .
6ـ عن ابن عبد البر ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( من أحب علياً فقد أحبني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن آذى علياً فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ) الاستيعاب بهامش الإصابة : 3/37 .
7ـ روى ابن عساكر الشافعي ، عن أم سلمة ، قالت : أشهد أني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( من أحب علياً فقد أحبني ، ومن أحبني أحب الله ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ) ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق : 2/190 ، ح673 .
8ـ وعنه أيضاً بإسناده عن جابر ، قال : دخل علينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ونحن في المسجد ، وهو آخذ بيد علي ( عليه السلام ) ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( ألستم زعمتم أنكم تحبوني ؟ ) قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ( كذب من زعم أنه يحبني ، ويبغض هذا ) . يعني علياً ( عليه السلام ) المصدر السابق : 2/185 ، ح664 .
9ـ وعنه أيضاً ، عن سلمان الفارسي ، قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ضرب فخذ علي بن أبي طالب وصدره ، وسمعته يقول : ( محبك محبي ، ومحبي محب الله ، ومبغضك مبغضي ، ومبغضي مبغض الله ) المصدر السابق : 2/187 ، ح669 .
10ـ وعنه أيضاً ، عن زياد بن أبي زياد الأسدي ، عن جده ، قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : ( قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنك تعيش على ملتي ، وتُقتل على سنتي ، من أحبك أحبني ، ومن أبغضك أبغضني ) المصدر السابق : 2/188 ، ح670 .
11ـ وعنه أيضاً ، عن عمر بن عبد الله الثقفي ، عن أبيه ، عن جده يعلى بن مرة الثقفي ، قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( من أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن عصى علياً فقد عصاني ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أحب علياً فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله ، لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا كافر أو منافق ) المصدر السابق : 2/188 ، ح671 .
مـــــــع الـــــــتـــــــحــــــــيـــــــات
عدل سابقا من قبل في الأربعاء فبراير 28, 2007 5:11 am عدل 1 مرات
رد: ســــيــــرة الإمــــام عــــلــــي { ع }
موقف الإمام علي ( عليه السلام ) في غزوة الخندق
لما نقضت بنو قريظة صلحها مع الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وانضمَّت إلى صفوف المشركين ، تغيَّر ميزان القوى لصالح أعداء الإسلام .
فقاموا بتطويق المدينة بعشرة آلاف مقاتل ، ممَّا أدَّى إلى انتشار الرُعب بين صفوف المسلمين ، وتزَلْزَلَتْ نفوسهم ، وظَنّوا بالله الظنونا .
فبدأ العدو هجومه على المسلمين بعبور الخندق - الذي حفره الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه حول المدينة - بقيادة أحد أبطال الشرك والكفر ، وهو عمرو بن عبد ودٍّ العامري ، فازداد الخطر على المسلمين ، لأن العدو بدأ بتهديدهم من داخل حصونهم .
فراح ابن عبد ودٍّ يصول ويجول ، ويتوعَّد ويتفاخر ببطولته ، وينادي : هل من مبارز ؟
فقام الإمام علي ( عليه السلام ) وقال : ( أنَا لَهُ يا رَسولَ الله ) .
فأذن ( صلى الله عليه وآله ) له ، وأعطاه سيفه ذا الفقار ، وألبسه دِرعه ، وعمَّمه بعمامَتِه .
ثم قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ هذا أخي ، وابن عمي ، فلا تَذَرْني فرداً ، وأنت خير الوارثين ) .
ومضى الإمام علي ( عليه السلام ) إلى الميدان ، وخاطب ابن عبد ودٍّ بقوله : ( يا عمرو ، إنَّك كنت عاهدْتَ الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا قبلتها ) .
قال عمرو : أجل .
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( فإني أدعوك إلى الله ، وإلى رسوله ، وإلى الإسلام ) .
فقال : لا حاجة لي بذلك .
فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( فإنِّي أدعوكَ إلى البراز ) .
فقال عمرو : إنِّي أكره أن أُهريقَ دمك ، وإنَّ أباكَ كان صديقاً لي .
فردَّ الإمام علي ( عليه السلام ) عليه قائلاً : ( لكنِّي والله أحِبّ أنْ أقتلَكَ ) .
فغضب عمرو ، وبدأ الهجوم على الإمام علي ( عليه السلام ) ، فصدَّه برباطة جأش ، وأرداه قتيلاً ، فعلا التكبير والتهليل في صفوف المسلمين ، وكان ذلك في الثالث من شوال سنة ( 5 هـ ) .
ولمَّا عاد الإمام ( عليه السلام ) ظافراً ، استقبله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يقول : ( لَمُبَارَزَة عَلي بن أبي طالب لِعَمرو بن عبد ودٍّ أفضلُ من عَمل أمَّتي إلى يوم القيامة ) .
فلولا الموقف البطولي للإمام ( عليه السلام ) ، لاقتحم جيش المشركين المدينة على المسلمين بذلك العدد الهائل .
وهكذا كانت بطولة الإمام علي ( عليه السلام ) في غزوة الخندق ( الأحزاب ) ، فكانت أهمّ عناصر النصر لمعسكر الإيمان على معسكر الكفر والضلال .
مـــــــع الـــــــتـــــــحــــــــيـــــــات
عدل سابقا من قبل في الأربعاء فبراير 28, 2007 5:10 am عدل 1 مرات
رد: ســــيــــرة الإمــــام عــــلــــي { ع }
موقف الإمام علي ( عليه السلام ) في فتح خيبر
لم يكن بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبين يهود خيبرٍ عهد ، بخلاف بني قنيقاع والنضير وقريضة ، فقد كان بينه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وبينهم عهد ، ومعنى ذلك أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) توجَّه إليهم ليدعوهم إلى الإسلام ، أو قبول الجزية ، أو الحرب ، فلمَّا لم يسلموا ولم يقبلوا الجزية حاربهم .
وكان يهود خَيْبَر مضاهرين ليهود غطفان على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان هذا سبب خروج النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) إليهم .
فقد ذكر ابن الأثير وغيره : أن يهود خَيْبَر كانوا مضاهرين ليهود غطفان على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وإنَّ غطفان قصدت خَيْبَر ليضاهروا اليهود فيها ، ثمّ خافوا المسلمين على أهليهم وأموالهم فرجعوا .
وكان المسلمون في هذه الغزوة ألفاً وأربعمائة ، ومعهم مِائتي فرس ، فلمّا نزلوا بساحتهم لم يتحرّكوا تلك الليلة حتّى طلعت الشمس ، وأصبح اليهود ، وفتحوا حصونهم ، وغدوا إلى أعمالهم .
فلما نظروا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قالوا : محمد والخميس ـ أي : الجيش ـ وولّوا هاربين إلى حصونهم ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحةِ قومٍ فساء صباح المنذرين ) .
فحاصرهم بضع عشرة ليلة ، وكان أوّل حصونهم قد افتتح هو حصن ناعم ، ثمّ القموص ، ثمّ حصن الصعب بن معاذ ، ثمّ الوطيح والسلالم ، وكان آخر الحصون فتحاً حِصْن خَيْبَر .
وفي خيبر بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبا بكر برايته ، وكانت بيضاء ، وعقد له ، فرجع ولم يَكُ فتح وقد جهد .
ثمّ بعث في الغد عمر بن الخطّاب برايته ، وعقد له أيضاً ، ومعه الناس ، فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه ، فجاءوا يجبِّنُونَه ويجبِّنُهم كسابقه .
وخرجت كتائب اليهود يتقدّمهم ياسر ـ أو ناشر أخ مرحب ـ فكشفت الأنصار حتّى انتهوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فاشتدَّ ذلك على رسول الله ، وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( لأبعَثَنَّ غداً رَجُلاً يُحبُّ اللهَ ورسولَه ، ويحبَّانه ، لا يولي الدبر ، يفتحُ الله على يَدَيه ) .
فتطاولت الأعناق لترى لمن يعطي الراية غداً ، ورجا كلّ واحد من قريش أن يكون صاحب الراية غداً ، فلمّا أصبحوا دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الإمام علي ( عليه السلام ) ، فقيل له : إنّه يشتكي عينيه ـ أي فيه رمد ـ .
فلما جاء الإمام علي ( عليه السلام ) أخذ ( صلى الله عليه وآله ) من ماء فمه ، ودَلَّك عينيه فَبَرئَتَا ، حتّى كأنْ لم يكن بهما وجع ، ثمّ قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( اللَّهُمَّ اكفِهِ الحَرَّ والبَرْد ) ، فما اشتكى من عينيه ، ولا من الحَرِّ والبرد بعد ذلك أبداً .
فعَقَد ( صلى الله عليه وآله ) للإمام ( عليه السلام ) ، ودفع الراية إليه ، وقال له : ( قَاتِل ولا تَلتَفتْ حتّى يَفتح اللهُ عليك ) ، فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( يَا رَسولَ الله ، عَلامَ أقاتِلُهُم ) ؟
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( عَلى أن يَشهدوا أنْ لا إلَهَ إلاَّ الله ، وأنِّي رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك حَقَنوا منِّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقِّها ، وحِسابُهُم عَلى اللهِ عزَّ وَجلَّ ) .
فقال سلمه : فخرجَ والله يُهروِل وأنا خلفه ، نتَّبع أثره ، حتّى ركز رايته تحت الحصن ، فخرج إليه أهل الحصن ، وكان أوّل من خرج إليه منهم الحارث ـ أخ مرحب ـ وكان فارساً ، شجاعاً ، فانكشف المسلمون ، وثَبَتَ الإمام علي ( عليه السلام ) ، فتضاربا ، فقتله الإمام علي ( عليه السلام ) ، وانهزم اليهود إلى الحصن .
مـــــــع الـــــــتـــــــحــــــــيـــــــات
عدل سابقا من قبل في الأربعاء فبراير 28, 2007 5:09 am عدل 1 مرات
رد: ســــيــــرة الإمــــام عــــلــــي { ع }
مؤاخاة الإمام علي ( عليه السلام ) مع النبي ( صلى الله عليه وآله )
شرع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منذ وصوله إلى المدينة ببناء الدولة الإسلامية المباركة .
فأسس المسجد ليكون منطلقاً للقيادة ، ومركزاً لبناء الدولة ، إلى جانب مهامِّ المسجد العبادية والفكرية ، ثم توجَّه إلى بناء الجبهة الداخلية ، وتقوية البُنْية الاجتماعية .
وفي الثاني عشر من شهر رمضان ، من السنة الأولى للهجرة النبوية المباركة ، آخى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين المهاجرين والأنصار .
ورُويَ أنَّه آخى بين أبي بكر وخارجة بن زيد ، وبين عمر وعتبان بن مالك ، وبين معاذ بن جبل وأبي ذر الغفاري ، وبين حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر ، ومصعب بن عمير وأبي أيوب ، وبين سلمان وأبي الدرداء و ... .
ولمَّا آخى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين أصحابه ، جاء الإمام علي ( عليه السلام ) تدمع عيناه ، فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( يَا رَسولَ الله ، آخيتَ بين أصحابِك ، ولم تُؤاخي بيني وبين أحد ؟ ) .
فقال له الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( أنْتَ أخي في الدُّنيَا والآخِرَة ) .
ويقول الشاعر أبو تمام في هذا المعنى :
أخوه إذا عدَّ الفخَار وصِهْرُه فَمَا مثلُهُ أخٌ ولا مِثلُه صِهْرُ
وقد كان مشروع المؤاخاة الذي دعا إليه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) من أقوى السياسات الإسلامية ، التي حثَّ عليها القرآن الكريم .
فقد ورد بصيغة الحصر في قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) الحجرات : 10 .
مـــــــع الـــــــتـــــــحــــــــيـــــــات
عدل سابقا من قبل في الأربعاء فبراير 28, 2007 5:08 am عدل 3 مرات
رد: ســــيــــرة الإمــــام عــــلــــي { ع }
شجاعة الإمام علي (عليه السلام)
قال ابن أبي الحديد في شجاعته (عليه السلام ) :
أما الشجاعة فإنه أنسى الناس فيها ، ذكر من كان قبله ، ومحا اسم من يأتي بعده ، ومقاماته في الحرب مشهورة ، تُضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة ، وهو الشجاع الذي ما فرَّ قط ، ولا ارتاع من كتيبة ، ولا بارز أحد إلا قتله ، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت إلى ثانية .
ولما دعا معاوية إلى المبارزة ليستريح الناس من الحرب بقتل أحدهما قال له عمرو بن العاص : لقد أنصفك ، فقال معاوية ما غششتني منذ نصحتني إلا اليوم ، أتأمرني بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنه الشجاع المطرق ، أراك طمعت في إمارة الشام بعدي .
وكانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته ، وأما قتلاه فافتخار أهلهم أظهر وأكثر بأنه ( عليه السلام ) هو الذي قتلهم ، حيث قالت أخت عمرو بن عبد ودٍّ وهي ترثيه :
لو كان قاتل عمرو غير قاتله
بكيته أبدا ما دمت في الأبد
لكن قاتـله من لا نظير لـه
وكان يدعى ابوه بيضة البلد
فكانت ملوك الروم والإفرنج تضع صوره ( عليه السلام ) حاملاً لسيفه في بيوت عبادتها ، وكذلك ملوك الترك والديلم فكانوا يضعون صوره ( عليه السلام ) على سيوفهم ، كأنهم يتفاءلون به النصر والظفر في الحرب .
فلا يمكن أن توصف الشجاعة بأكثر من أنه ما نكل عن مبارز ، ولا بارز أحداً إلا قتله ، ولا فرَّ قطّ ، ولا ضرب ضربة فاحتاج إلى ثانية ، وكان يقول ( عليه السلام ) : ( ما بارزت أحدا إلا وكنت أنا ونفسه عليه ) .
وقيل له : يا أمير المؤمنين ألا تعد فرساً للفر والكر ؟
فقال ( عليه السلام ) : ( أما أنا فلا أفر ومن فر مني فلا أطلبه ) .
وكفى في ذلك مبيته على الفراش ليلة الغار معرضاً نفسه للأخطار ، فلم يخف ولم يحزن ، فوقى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه ، وفداه بمهجته .
وخروجه بالفواطم جهاراً من مكة ولحوق الفوارس الثمانية به لما علموا بخروجه حنقين عليه عازمين على قتله إن لم يرجع راغماً ، ولا بد أن يكونوا من شجعان مكة وأبطالها لأن من ينتدب لمثل ذلك لا يكون من جبناء الناس ، وهم فرسان وهو راجل وهم ثمانية وهو واحد وليس معه إلا أيمن بن أم أيمن وأبو واقد الليثي وهما لا يغنيان عنه شيئاً .
وقد أخذ الهلع أبا واقد حين رأى الفرسان ، فسكن جأشه ، ولم يُنقل أنهما - أيمن وأبا واقد - عاوناه بشيء ، بل كان حظهما حظ الواقف المتفرج .
ولم يكن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بحاجة إلى مساعد ، على أن الثمانية فوارس ولو لم يكونوا في الدرجة العالية من الشجاعة ، ألا إنه لا يفلت منهم رجل واحد في العشرين من عمره أو تجاوزها بقليل مهما كان شجاعاً ، فيمكنهم أن يحيطوا به من كل جانب فيقتلوه ولو رضخاً بالحجارة ، فإذا كر على الذين أمامه حمل عليه الذين وراءه ، أو كرَّ على الذين وراءه حمل عليه الذين أمامه فلا يمكنه الخلاص ويسهل عليهم قتله أو أسره .
وما كان منه في وقعة بدر التي بها تمهدت قواعد الدين وأذل الله جبابرة المشركين وقتلت فيها رؤساؤهم ووقعت الهيبة من المسلمين في قلوب العرب واليهود وغيرهم ، فقد كان في هذه الوقعة قطب رحاها وليث وغاها ، بارز الوليد بن عتبة أول نشوب الحرب فلم يلبثه حتى قتله .
وشارك عمه حمزة في قتل عتبة ، واشترك هو وحمزة وعبيدة في قتل شيبة فأجهزا عليه .
فكان قَتلُ هؤلاء الثلاثة أولُ وهنٍ لَحقَ المشركين ودخل عليهم ، وظهرت بذلك أمارات نصر المسلمين .
وبرز إليه حنظلة بن أبي سفيان فقتله ، وبرز إليه من بعده طعيمة بن عدي فقتله ، وقتل بعده نوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش ، ولم يزل يقتل واحداً منهم بعد واحد حتى أتى على شطر المقتولين منهم و كانوا سبعين قتيلاً ، وذلك بمعونة الله تعالى له وتأييده وتوفيقه ونصره ، وكان الفتح له بذلك وعلى يديه .
قال المفيد ( رحمه الله ) : و في الأحزاب ( يوم الخندق ) أنزل الله تعالى : ( إِذ جَاؤُوكُم مِن فَوقِكُم وَمِن أَسفَل مِنكُم وإِذ زَاغَت الأَبصَارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظنُونَا هُنَالِكَ ابتُلِيَ المُؤمِنُونَ وَزُلزِلُوا زلزَالاً شَدِيداً وَإِذ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَا وَعَدنَا الله وَرَسُولهُ إِلا غرُوراً ) .
إلى قوله تعالى : ( وَكَفَى اللهُ المُؤمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ) الأحزاب : 9 - 25 .
قال فتوجه العتب إليهم والتوبيخ والتقريع ولم ينجُ من ذلك أحد بالاتفاق ، إلا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إذ كان الفتح له وعلى يديه ، وكان قتله عمرو بن عبد ودٍّ ، ونوفل بن عبد الله ، سبب هزيمة المشركين .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعد قتله هؤلاء النفر : ( الآن نغزوهم ولا يغزوننا ) .
وقد روى يوسف بن كليب عن سفيان بن زيد عن قرة وغيره عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ : ( وكفى الله المؤمنين القتال بعلي ) .
ومبارزته لـ ( مرحب ) يوم خيبر وقتله ، وفتح الحصن ، ودحو الباب .
إلى غير ذلك من غزواته ووقائعه في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبعده .
مـــــــع الـــــــتـــــــحــــــــيـــــــات
رد: ســــيــــرة الإمــــام عــــلــــي { ع }
جَرح الإمام علي ( عليه السلام )
بعد التحكيم الذي جرى في حَرب صفين تمرَّدَت فئة على الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وسُمِّيَت هذه الفئة بـ( الخوارج ) .
وأعطاهم الإمام ( عليه السلام ) الفرص الكثيرة ليعودوا إلى رشدهم ، لكنَّهم استمرّوا في غَيِّهم ، وقاموا بتشكيل قُوَّة عسكرية ، وأعلنوا استباحتهم لِدَم الإمام علي ( عليه السلام ) ، ودماء المنتمين إلى عَسكَرِه ، واستعدّوا لِمُنازلة جيش الإمام ( عليه السلام ) ، فقاتلهم الإمام علي ( عليه السلام ) وقضى عليهم في معركة النهروان .
وكان جماعة من الخُصُوم - الذين يؤيِّدون الأفكار المنحرفة للخوارج - قد عقدوا اجتماعاً في مكة المكرمة ، وتداولوا في أمرهم الذي انتهى إلى أوخم العواقب .
فخرجوا بقرارات كان أخطرها اغتيال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقد أوكل أمر تنفيذه للمجرم الأثيم عبد الرحمن بن ملجم المرادي .
وفي صبيحة اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك عام ( 40 هـ ) امتدَّت يد اللئيم المرادي إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، إذ ضربه بسيفه في صلاة نافلة الفجر ، في مسجد الكوفة الشريف .
بينما كانت الأمَّة آنذاك تتطلع إلى النصر على قوى البَغي والضلال التي يقودها معاوية في الشام .
لقد بقي الإمام علي ( عليه السلام ) يعاني من تلك الضربة اللَّئيمة ثلاثة أيام ، عهد خلالها بالإمامة إلى ولده الحسن السبط ( عليه السلام ) .
وطوال تلك الأيام الثلاثة كان ( عليه السلام ) يلهَجُ بذكر الله ، والرضا بقضائه ، والتسليم لأمره .
كما كان يُصدِرُ الوصيَّة تُلوَ الوصيَّة ، داعياً لإقامة حدودِ الله عزَّ وجلَّ ، محذِّراً مِن الهَوى ، والتراجع عن حمل الرسالة الإسلامية .
وبهذه المناسبة نقتطف جزءاً من وصيَّته ( عليه السلام ) ، التي خاطب بها الحَسنَ والحُسَين ( عليهما السلام ) ، وأهل بيته ، وأجيال الأمّة الإسلامية في المستقبل : ( كونَا للظَّالِمِ خَصْماً ، وللمَظْلومِ عَوناً ، أوصيكم وجَميع وِلدِي وأهلي ، ومَنْ بَلَغهُ كِتابي ، بتقوى الله ، ونَظْم أمرِكُم ، وصَلاحِ ذات بينكم .
الله الله في الأيتام ، الله الله في جيرانكم ، الله الله في القرآن ، الله الله في بيت رَبِّكم ، لا تخلوه ما بقيتم ، الله الله في الجهاد بأموالكم ، وأنفسكم ، وألسنتكم ، في سبيل الله .
وعليكم بالتواصُل والتبَاذُل ، وإيَّاكم والتدابر والتقاطع ، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فَيُوَلَّى عليكم شِراركم ، ثم تَدعُونَ فلا يُستَجَابُ لَكُم ) .
مـــــــع الـــــــتـــــــحــــــــيـــــــات
رد: ســــيــــرة الإمــــام عــــلــــي { ع }
اغتيال الإمام علي (عليه السلام)
اغتيل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في فجر يوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك في مسجد الكوفة ، و خرَّ صريعاً في المحراب متشحطاً بدمه الطاهر قائلاً : ( فزتُ وربّ الكعبة ) لأنه الفائز الأكبر ، فقد فاز ( سلام الله عليه ) في الدنيا والآخرة و ذلك هو الفوز العظيم .
وأي فوز أعظم من أن يقضي الإنسان عمره في سبيل الله وفي سبيل الإسلام المحمدي ، وفي سبيل إرساء دعائم العدالة والمساواة في المجتمع ، والقضاء على الظلم والجور وانصاف المظلومين .
لقد كانت شهادته ( عليه السلام ) انتصاراً له ، وأي نصر أعظم من أن ينتصر الإنسان على أعداء الرسالة الإسلامية من القاسطين والمارقين والناكثين لأجل خلاص الأمة الإسلامية منهم ليكون الدين كله لله عزّ وجل .
فإن اغتيال الإمام علي ( عليه السلام ) هو المجسد الحقيقي للإسلام الأصيل ، والمطبِّق لجميع أحكامه وقوانينه ، والمنفِّذ لجميع تشريعاته .
فقد كان اغتيالاً للإسلام الذي بناه بجهده وجهاده وكيانه ودمه ، واغتيالاً للأمة حيث فقدت خليفة وقائداً إسلامياً فذّاً ، وقمة شامخة في العلم والفضل والجهاد ، وكان جبلاً راسخاً من الثبات والاستقامة والشجاعة والبطولة ، وعَلَماً من أعلام الدين وإماماً للمتقين .
إن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وُلد في بيت الله واستشهد في بيت الله تعالى ليكون رمزاً ومثالاً للمتقين ، وإماما للساجدين والعابدين والزاهدين ، وسيداً من أسياد الجنة المبشرين .
وإن على المسلمين في العالم معرفة هذا الإمام العظيم ، والتمسك والالتزام بمنهجه السوي وسيرته العطرة ومبادئه القيمة .
وإننا نعاهدك يا أبا الحسن أن نسير على دربك ، ونقتدي بك ونجعلك قدوة لنا في أعمالنا وسلوكنا وتعاملنا مع أمتنا الإسلامية ، ومع أسرتنا ومجتمعنا وأخواننا المؤمنين ، وتعاملنا مع قوى الكفر والإلحاد ، فنكون حرباً لمن حاربت ، وسِلماً لمن سالمت .
اللهم اجعلنا من السائرين على خطى الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والذابين والمدافعين عن الإسلام ، والمهتمين بأمور المسلمين ، بحق محمد وآله الطيبين الطاهرين .
مـــــــع الـــــــتـــــــحــــــــيـــــــات
رد: ســــيــــرة الإمــــام عــــلــــي { ع }
شهادة الإمام علي ( عليه السلام )
في فجر اليوم التاسع عشر من شهر رمضان المبارك ، عام ( 40 هـ ) ، اِمتدَّت يَد اللئيم ابن ملجم إلى الإمام علي ( عليه السلام ) ، إذْ ضَربَهُ بسَيفِه المسموم ، وهو يصلي في مسجد الكوفة .
وقال ابن الأثير : أُدخِل ابن ملجم على الإمام علي ( عليه السلام ) وهو مكتوف .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( أيْ عَدوَّ الله ألَمْ أحسِن إليك ) .
قال : بلى .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( فَمَا حَملَكَ عَلى هَذَا ؟ ) .
قال ابن ملجم : شحذتُه أربعين صباحاً [ يقصد بذلك سيفه ] ، وسألت الله أنْ يقتُلَ به شَرَّ خلقه .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( لا أرَاكَ إلاَّ مَقتولاً به ، ولا أراكَ إلاَّ مِن شَرِّ خَلقِ الله ) .
ثم قال ( عليه السلام ) : ( النَّفسُ بالنَّفسِ ، إن هَلكْتُ فاقتلوه كما قتلني ، وإنْ بقيتُ رأيتُ فيه رأيي ، يا بني عبد المطلب ، لا ألفيَنَّكم تخوضون دماء المسلمين ، تقولون قتل أمير المؤمنين ، ألا لا يُقتَلَنَّ إلاَّ قاتلي .
أُنظُر يا حسن ، إذا أنَا مُتُّ من ضربَتي هذه ، فاضربه ضربة بضربة ، ولا تمثِّلَنَّ بالرجل ، فإنِّي سَمعتُ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ( إيَّاكم والمُثْلَة ، ولو بالكَلبِ العَقُور ) .
فبقي الإمام علي ( عليه السلام ) يعاني من ضربة المُجرم الأثيم ابن ملجم ثلاثة أيام ، عَهد خلالها بالإمامة إلى ابنه الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) .
وطوال تلك الأيام الثلاثة كان الإمام ( عليه السلام ) يلهَجُ بذكر الله ، والرضا بقضائه ، والتسليم لأمره .
كما كان الإمام ( عليه السلام ) يُصدر الوصيَّة تُلوَ الوصيَّة ، داعياً إلى إقامة حُدودِ الله عزَّ وجلَّ ، محذِّراً من اتِّباع الهوى ، والتراجع عن حَمل الرسالة الإسلامية .
وأخيراً ، وفي الحادي والعشرين من شهر رمضان من عام ( 40 هـ ) ، كانت النهاية المؤلمة لهذا الإمام العظيم ( عليه السلام ) ، الذي ظُلِم خلال حياته ظُلامَتَين كبيرتين .
الأولى : إقصاؤُه عن الخلافة من قِبَل مُبغِضِيه .
الثانية : اغتياله في شهر الله ، الذي هو أفضل الشهور ، ليَمضي إلى رَبِّه مقتولاً شهيداً .
حيث كانت مصيبة فقده ( عليه السلام ) من أشَدِّ المصائب التي تعرَّضت لها الأمة الإسلامية من بعد مصيبة فقدان النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
مـــــــع الـــــــتـــــــحــــــــيـــــــات
رد: ســــيــــرة الإمــــام عــــلــــي { ع }
قصة قبر الإمام علي ( عليه السلام )
جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : لما قُتل الإمام علي ( عليه السلام ) قصد بنوه أن يخفوا قبرَه بوصية منه ، خوفاً من بني أميّة والمنافقين والخوارج أن يُحْدِثوا في قبره حدثاً .
فأوهموا الناس في موضع قبره تلك الليلة - ليلة دفنه ( عليه السلام ) - إيهامات مختلفة .
فشدّوا على جملٍ تابوتاً موثقاً بالحبال ، يفوح منه روائح الكافور وأخرجوه من الكوفة في سواد الليل بصحبة ثقاتهم ، يوهمون أنهم يحملونه إلى المدينة فيدفنونه عند فاطمة ( عليها السلام ) .
وأخرجوا بغْلاً وعليه جنازة مغَطَّاة ، يوهمون أنهم يدفنونه بالحيرة ، وحفروا حفائر عدَّة ، منها في رحبة مسجد الكوفة .
ومنها برحبة قصر الإمارة ، ومنها في حجرة في دور آل جعدة بن هبيرة المخزومي ، ومنها في أصل دار عبد الله بن يزيد القسري ، بحذاء باب الورَّاقين ، مما يلي قبلة المسجد .
ومنها في الكناسة - محلَّة بالكوفة - ومنها في الثويَّة - موضع قريب من الكوفة - فعمي على الناس موضع قبره .
ولم يعلم دفنه على الحقيقة إلا بَنُوه والخواص المخلصون من أصحابه ، فإنهم خرجوا بالإمام ( عليه السلام ) وقت السَحَر ، في الليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان ، فدفنوا الإمام ( عليه السلام ) في مدينة النجف الأشرف ، بالموقع المعروف بالغري .
وذلك بوصاية منه ( عليه السلام ) إليهم في ذلك ، وعهد كان عهد به إليهم ، وعمي موضع قبره على الناس .
أما الشيعة فمتَّفقون خَلَفاً عن سَلَف ، نقلاً عن أئمتهم أبناء الإمام علي ( عليه وعليهم السلام ) ، أنه قد دُفِن في الغري ، في الموضع المعروف الآن في مدينة النجف الأشرف ، ووافَقَهُم المحققون من علماء سائر المسلمين ، والأخبار فيه متواترة .
أما قول أبو نعيم الإصبهاني : إن الذي على النجف إنما هو قبر المغيرة بن شعبة ، فغير صحيح ، لأن المغيرة بن شعبة لم يُعرف له قبر ، وقيل أنه مات بالشام .
وهكذا لم يزل قبره ( عليه السلام ) مخفيّاً ، لا يعرفه غير أبنائه والخُلَّص من شعيته ( عليه السلام ) .
حتى دلَّ عليه الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أيام الدولة العباسية ، حينما زاره عند وروده إلى أبي جعفر المنصور وهو في الحيرة ، فعرفته الشيعة ، واستأنفوا إذ ذاك زيارته .
وكان قبل ذلك قد جاء أيضاً الإمام علي بن الحسين بن أمير المؤمنين ( عليهم السلام ) من الحجاز إلى العراق ، مع خادم له لزيارته ، فزاره ( عليه السلام ) ثم رجع .
ثم عرَّفه وأظهره الخليفة العباسي هارون الرشيد ، بعد سنة ( 170 هـ ) ، فعرفه الناس عامَّة .
وكان أول من عَمَّر القبر الشريف هو هارون الرشيد ، بعد سنة ( 170 هـ ) ، لأن الرشيد استخلف سنة ( 170 هـ ) ، ومات سنة ( 193 هـ ) .
فإظهار القبر وتعميره كان في خلافته ، إذ أمر ببناء قُبَّة على القبر ، لها أربعة أبواب من طِين أحمر ، وعلى رأسها جرَّة خضراء وهي - اليوم - في الخزانة ، كما جاء في كتاب أعيان الشيعة ، وأخذ الناس في زيارته والدفن لموتاهم حوله .
وإن العمارة الموجودة اليوم ، والمشهورة بين أهل مدينة النجف الأشرف ، هي للشاه عباس الصفوي الأول .
فجعل القبَّة خضراء بعد أن كانت بيضاء ، ويُحتمل أن تكون هذه العمارة بأمر الشاه صفي الصفوي ، سنة ( 1047 هـ ) ، والد الشاه عباس الصفوي ، حيث توفي صفي الصفوي عام ( 1052 هـ ) ، فأتمَّها ولده الشاه عباس الصفوي سنة ( 1057 هـ ) .
ثم تنافست الملوك والأُمَراء في عمارته والإهداء إليه ، وهو اليوم صرح تأريخي شامخ ، تعلوه قُبَّة كبيرة مذهَّبة ، ومئذنتان كبيرتان ذهبيَّتان ، وله صحن مربع كبير ، له خمسة أبواب من جهاته الأربعة ، يؤمُّه المسلمون من جميع أنحاء العالم ، لتجديد الولاء والزيارة له .
فسلامٌ عليك يا أبا الحسن ، وعلى ضجيعيك آدم ونوح ، وعلى جاريك هود وصالح ، ورحمة الله وبركاته .
مـــــــع الـــــــتـــــــحــــــــيـــــــات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى